فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (22- 23):

قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أثبت سبحانه لنفسه ولذاته الأقدس من الملك في السماوات والأرض وغيرهما ما رأيت، واستدل عليه من الأدلة التي لا يمكن التصويب إليها بطعن بما سمعت، وكان المقصود الأعظم التوحيد فإنه أصل ينبني عليه كل خير قال: {قل} أي يا أعلم الخلق! بإقامة الأدلة لهؤلاء الذين أشركوا ما لا يشك في حقارته من له أدنى مسكة: {ادعوا الذين زعمتم} أي أنهم آلهة كما تدعون الله لاسيما في وقت الشدائد، وحذف مفعولي زعم وهما ضميرهم وتألههم تنبيهًا على استهجان ذلك واستبشاعه، وليس المذكور في الآية مفعولًا ولا قائمًا مقام المفعول لفساد المعنى؛ وبين حقارتهم بقوله: {من دون الله} أي الذي حاز جميع العظمة لشيء مما أثبته سبحانه لنفسه فليفعلوا شيئًا مثله أو يبطلو شيئًا مما فعله سبحانه.
ولما كان جوابهم في ذلك السكوت عجزًا وحيرة، تولى سبحانه الجواب عنهم، إشارة إلى أن جواب كل من له تأمل لا وقفة فيه بقوله، معبرًا عنهم بعبارة من له علم بإقامتهم في ذلك المقام، أو لأن بعض من ادعيت إلهيته ممن له علم: {لا يمكلون} أي الآن ولا يتجدد لهم شيء من ذلك أصلًا.
ولما كان المراد المبالغة في الحقارة بما تعرف العرب قال: {مثقال ذرة} ولما أريد العموم عبر بقوله: {في السماوات} وأكد فقال: {ولا في الأرض} لأن السماء ما علا، والأرض ما سفل، والسماوات في العرش، والأرض في السماء، فاستغرق ذلك النفي عنهما وعن كل ما فيهما من ذات ومعنى إلى العرش، وهو ذو العرش العظيم.
ولما كان هذا ظاهرًا في نفي الملك الخالص عن شوب المشاركة، نفى المشاركة أيضًا بقوله مؤكدًا تكذيبًا لهم فيما يدعونه: {وما لهم فيهما} أي السماوات والأرض ولا فيما فيهما، وأعرق في النفي فقال: {من شرك} أي في خلق ولا مُلك ولا مِلك، وأكد النفي بإثبات الجار.
ولما كان مما في السماوات والأرض نفوس هذه الأصنام وقد انتفى ملكهم لشيء من أنفسهم أو ما أسكن فيها سبحانه من قوة أو منفعة، فانتفى أن يقدروا على إعانة غيرهم، وكان للتصريح مزيد روعة للنفوس وهزة للقلوب وقطع للأطماع، حتى لا يكون هناك متشبت قويّ ولا واهٍ قال: {وما له} أي الله {منهم} وأكد النفي بإثبات الجار فقال: {من ظهير} أي معين على شيء مما يريده، فكيف يصح مع هذا العجز الكلي أن يدعوا كما يدعى ويرجوا كما يرجى ويعبدوا كما يعبد.
ولما كان قد بقي من أقسام النفع الشفاعة، وكان المقصود منها أثرها لا عينها، نفاه بقوله: {ولا تنفع} أي في أيّ وقت من الأوقات {الشفاعة عنده} أي بوجه من الوجوه بشيء من الأشياء {إلا لمن} ولما كانت كثافة الحجاب أعظم في الهيبة، وكان البناء للمجهول أدل على كثافة الحجاب، قال في قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي بجعل المصدر عمدة الكلام وإسناد الفعل إليه: {أذن له} أي وقع منه إذن له على لسان من شاء من جنوده بواسطة واحدة أو أكثر في أن يشفع في غيره أو في أن يشفع فيه غيره، وقراءة الباقين بالبناء للفاعل تدل على العظمة من وجه آخر، وهو أنه لا افتيات عليه بوجه من أحد ما، بل لا أن ينص هو سبحانه على الإذن، وإلا فلا استطاعة عليه أصلًا.
ولما كان من المعلوم أن الموقوفين في محل خطر للعرض على ملك مرهوب متى نودي باسم أحد منهم فقيل أين فلان ينخلع قلبه وربما أغمي عليه، فلذلك كان من المعلوم مما مضى أنه متى برز النداء من قبله تعالى في ذلك المقام الذي ترى فيه كل أمة جاثية يغشى على الشافعين والمشفوع لهم، فلذلك حسن كل الحسن قوله تعالى: {حتّى} وهو غاية لنحو أن يقال: فإذا أذن له وقع الصعق لجلاله وكبريائه وكماله حتى {إذا فزع} أي أزيل الفزع بأيسر أمر وأهون سعي من أمره سبحانه- هذا في قراءة الجماعة بالبناء للمجهول، وأزال هو سبحانه الفزع في قراءة ابن عامر ويعقوب، إشارة إلى أنه لا يخرج عن أمره شيء {عن قلوبهم} أي الشافعين والمشفوع لهم، فإن فعّل يأتي للإزالة كقذّيت عينه- إذا أزلت عنها القذى {قالوا} أي قال بعضهم لبعض: {ماذا قال ربكم} ذاكرين صفة الإحسان ليرجع إليهم رجاؤهم فتسكن لذلك قلوبهم.
ولما كان ملوك الدنيا ربما قال بعضهم قولًا ثم بدا له فرجع عنه، أو عارضه فيه شخص من أعيان جنده فينتقض، أخبر أن الملك الديان ليس كذلك فقال: {قالوا الحق} أي الثابت الذي لا يمكن أن يبدل، بل يطابقه الواقع فلا يكون شيء يخالفه {وهو العلي} أي فلا رتبة إلا دون رتبته سبحانه وتعالى، فلا يقول غير الحق من نقص علم {الكبير} أي الذي لا كبير غيره فيعارضه في شيء من حكم؛ روى البخاري في التفسير عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صفوان {فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا}- للذي قال- {الحق وهو العلي الكبير} فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض- ووصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه- فيسمع الكلمة ويلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا، فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء» وقال في التوحيد: وقال مسروق عن ابن مسعود رضى الله عنهما: وإذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وروى هذا الحديث العيني في جزئه عن ابن عباس رضى الله عنهما موقوفًا عليه قال: كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يسمعون فيه الوحي، وفيه: فلا ينزل على سماء إلا صفقوا، وفي آخره: ثم يقال: يكون العام كذا ويكون العام كذا، فتسمع الجن ذلك فتخبر به الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا، فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم دحروا، فقالت العرب: هلك من في السماء، فذكر ذبح العرب لأموالهم من الإبل وغيرها، حتى نهتهم ثقيف، واستدلوا بثبات معلم النجوم، ثم أمر إبليس جنده بإحضار التراب وشمه حتى عرف أن الحدث من مكة. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{أذن له} على البناء للمفعول: أبو عمرو وعي وخلف والأعشى والبرجمي {فزع علي} البناء للفاعل: ابن عامر ويعقوب {جزاء} بالنصب {الضعف} مرفوعًا: يعقوب {في الغرفة} على التوحيد: حمزة {يحشرهم} {ثم يقول} على الغيبة فيهما: حفص ويعقوب. الباقون بالنون {ثم تفكروا} بتشديد التاء: رويس {أجري إلا} بفتح الياء: ابو جعفر ونافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص {ربي إنه} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وأبو عمرو: {التناؤش} مهموزًا: ابو عمرو وحمزة وخلف وعاصم سوى حفص والشموني والبرجمي.
{حيل} بضم الحاء وكسر الياء: ابن عامر وعلي ورويس.

.الوقوف:

{من دون الله} ج لاحتمال الجملة بعده حالًا واستئنافًا {ظهير} o {أذن له} ط {الحق} ط {الكبير} o {والأرض} ط {قل الله} لا لاتصال المقول {مبين} o {تعملون} o {بالحق} ط {العليم} o {كلا} ط {الحكيم} o {لا يعلمون} o {صادقين} o {ولا تستقدمون} o {بين يديه} ط {عند ربهم} ج لأن ما بعده يصلح استئنافًا وحالًا وهذا أوجه {القول} ج لمثل ذلك {مؤمنين} o {مجرمين} o {أندادًا} ط {العذاب} ط {كفروا} ط {يعملون} o {كافرونه} o {بمعذبين} o {لا يعملون} o {صالحًا} ز أن أولئك مبتدأ مع الفاء {آمنون} o {محضرون} o {ويقدر له} o {يخلفه} ج لعطف الجملتين المختلفتين {الرازقين} o {يعبدون} o {من دونهم} ج لتنويع الكلام مع اتحاد المقول {الجن} ج لذلك {مؤمنون} o {ضرًا} ط {تكذبون} o {آباؤكم} ج للعطف مع طول الكلام والتكرار {مفترى} ط {مبين} o {من نذير} o {نكير} o {بواحدة} ج لأن ما بعده بدل أو خبر أي هي أن تقوموا {من جنة} ط {شديد} o {لكم} ط {الله} ج {شهيد} o {بالحق} ج لاحتمال أن ما بعده بدل من الضمير في يقذف أو خبر أي هو علام {الغيوب} o {بعيد} o {على نفسي} ج لعطف جملتي الشرط {ربي} ط {قريب} o {قريب} لا لأن ما بعده معطوف على {أخذوا} {آمنا به} ط لاحتمال كون الجملة الاستفهامية مبتدأ بها أو حالًا {بعيد} o لا للآية ولاحتمال الاستئناف والحال بعده والعامل معنى الفعل في التناوش {من قبل} ج للعطف على كفروا بناء على أنه حال ماضية أو للاستئناف اي وهم يقذفون {بعيد} o {من قبل} ط {مريب} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ}.
لما بين الله تعالى حال الشاكرين وحال الكافرين وذكرهم بمن مضى عاد إلى خطابهم وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم قل للمشركين ادعوا الذين زعمتم من دون الله ليكشفوا عنكم الضر على سبيل التهكم ثم بين أنهم لا يملكون شيئًا بقوله: {لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِي السموات وَلاَ فِي الأرض}.
واعلم أن المذاهب المفضية إلى الشرك أربعة أحدها: قول من يقول الله تعالى خلق السماء والسماويات وجعل الأرض والأرضيات في حكمهم، ونحن من جملة الأرضيات فنعبد الكواكب والملائكة التي في السماء فهم آلهتنا والله إلههم، فقال الله تعالى في إبطال قولهم: إنهم لا يملكون في السموات شيئًا كما اعترفتم، قال ولا في الأرض على خلاف ما زعمتم وثانيها: قول من يقول السموات من الله على سبيل الاستبداد والأرضيات منه ولكن بواسطة الكواكب فإن الله خلق العناصر والتركيبات التي فيها بالاتصالات والحركات والطوالع فجعلوا لغير الله معه شركًا في الأرض والأولون جعلوا الأرض لغيره والسماء له، فقال في إبطال قولهم: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} أي الأرض كالسماء لله لا لغيره، ولا لغيره فيها نصيب وثالثها: قول من قال: التركيبات والحوادث كلها من الله تعالى لكن فوض ذلك إلى الكواكب، وفعل المأذون ينسب إلى الآذن ويسلب عن المأذون فيه، مثاله إذا ملك لمملوكه اضرب فلانًا فضربه يقال في العرف الملك ضربه ويصح عرفًا قول القائل ما ضرب فلان فلانًا، وإنما الملك أمر بضربه فضرب، فهؤلاء جعلوا السماويات معينات لله فقال تعالى في إبطال قولهم: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مّن ظَهِيرٍ} ما فوض إلى شيء شيئًا، بل هو على كل شيء حفيظ ورقيب ورابعها: قول من قال إنا نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا فقال تعالى في إبطال قولهم {وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} فلا فائدة لعبادتكم غير الله فإن الله لا يأذن في الشفاعة لمن يعبد غيره فبطلبكم الشفاعة تفوتون على أنفسكم الشفاعة وقوله: {حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} أي أزيل الفزع عنهم، يقال قرد البعير إذا أخذ منه القراد ويقال لهذا تشديد السلب، وفي قوله تعالى: {حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق} وجوه أحدها:
الفزع الذي عند الوحي فإن الله عندما يوحي يفزع من في السموات، ثم يزيل الله عنهم الفزع فيقولون لجبريل عليه السلام ماذا قال الله؟ فيقول قال الحق أي الوحي وثانيها: الفزع الذي من الساعة وذلك لأن الله تعالى لما أوحى إلى محمد عليه السلام فزع من في السموات من القيامة لأن إرسال محمد عليه السلام من أشراط الساعة، فلما زال عنهم ذلك الفزع قالوا ماذا قال الله قال جبريل {الحق} أي الوحي وثالثها: هو أن الله تعالى يزيل الفزع وقت الموت عن القلوب فيعترف كل أحد بأن ما قال الله تعالى هو الحق فينفع ذلك القول من سبق ذلك منه، ثم يقبض روحه على الإيمان المتفق عليه بينه وبين الله تعالى، ويضر ذلك القول من سبق منه خلافه فيقبض روحه على الكفر المتفق بينه وبين الله تعالى: إذا علمت هذا فنقول على القولين الأولين قوله تعالى: {حتى} غاية متعلقة بقوله تعالى: {قُلْ} لأنه بينه بالوحي لأن قول القائل قل لفلان للإنذار حتى يسمع المخاطب ما يقوله، ثم يقول بعد هذا الكلام ما يجب قوله فلما قال: {قُلْ} فزع من في السموات، ثم أزيل عنه الفزع، وعلى الثالث متعلق بقوله تعالى: {زَعَمْتُمْ} أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع، ثم تركتم ما زعمتم وقلتم قال الحق، وعلى القولين الأولين فاعل قوله تعالى: {قَالُواْ مَاذَا} هو الملائكة السائلون من جبريل، وعلى الثالث الكفار السائلون من الملائكة والفاعل في قوله: {الحق} على القولين الأولين هم الملائكة، وعلى الثالث هم المشركون.
واعلم أن الحق هو الموجود ثم إن الله تعالى لما كان وجوده لا يرد عليه عدم كان حقًا مطلقًا لا يرتفع بالباطل الذي هو العدم والكلام الذي يكون صدقًا يسمى حقًا، لأن الكلام له متعلق في الخارج بواسطة أنه متعلق بما في الذهن، والذي في الذهن متعلق بما في الخارج فإذا قال القائل جاء زيد يكون هذا اللفظ تعلقه بما في ذهن القائل وذهن القائل تعلقه بما في الخارج لكن للصدق متعلق يكون في الخارج فيصير له وجود مستمر وللكذب متعلق لا يكون في الخارج، وحينئذ إما أن لا يكون له متعلق في الذهن فيكون كالمعدوم من الأول وهو الألفاظ التي تكون صادرة عن معاند كاذب، وإما أن يكون له متعلق في الذهن على خلاف ما في الخارج فيكون اعتقادًا باطلًا جهلًا أو ظنًا لكن لما لم يكن لمتعلقه متعلق يزول ذلك الكلام ويبطل، وكلام الله لا بطلان له في أول الأمر كما يكون كلام الكاذب المعاند ولا يأتيه الباطل كما يكون كلام الظان، وقوله تعالى: {وَهُوَ العلي الكبير} قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الباطل وَأَنَّ الله هُوَ العلي الكبير} [لقمان: 30] أن {الحق} إشارة إلى أنه كامل لا نقص فيه فيقبل نسبة العدم، وفوق الكاملين لأن كل كامل فوقه كامل فقوله: {وَهُوَ العلي الكبير} إشارة إلى أنه فوق الكاملين في ذاته وصفاته، وهذا يبطل القول بكونه جسمًا وفي حيز، لأن كل من كان في حيز فإن العقل يحكم بأنه مشار إليه وهو مقطع الإشارة لأن الإشارة لو لم تقع إليه لما كان المشار إليه هو، وإذا وقعت الإشارة إليه فقد تناهت الإشارة عنده، وفي كل موقع تقف الإشارة بقدر العقل على أن يفرض البعد أكثر من ذلك فيقول لو كان بين مأخذ الإشارة والمشار إليه أكثر من هذا البعد لكان هذا المشار إليه أعلى فيصير عليه بالإضافة لا مطلقًا وهو علي مطلقًا ولو كان جسمًا لكان له مقدار، وكل مقدار يمكن أن يفرض أكبر منه فيكون كبيرًا بالنسبة إلى غيره لا مطلقًا وهو كبير مطلقًا. اهـ.